mardi 22 mai 2012

الرقمنة





استراتيجيات رقمنة مصادر المعلومات في المكتبات ومؤسسات المعلومات


تمثل عملية الرقمنة الحلقة الأولى من ثلاث حلقات أساسية، تهدف مجتمعة إلى بناء منظومة المكتبة الرقمية، وتتمثل الحلقة الثانية في إضافة منشورات إلكترونية جديدة (سواء كانت مجانية أو مدفوعة الأجر مقابل الاطلاع) إلى مجموعات مصادر المعلومات، وأما الحلقة الأخيرة فتشمل الربط مع المصادر الأخرى المتاحة عبر شبكة الإنترنت العالمية، وتعتمد عملية الاطلاع على الاستعانة بأدوات وتقنيات البحث والببليوجرافيات وغيرها من أدوات الملاحة.
1. الرقمنة: مفاهيم أساسية
تتعدد المفاهيم المتعلقة بمصطلح "الرقمنة"، وذلك وفقاً للسياق الذي يستخدم فيه، فينظر "تيري كاني" "Terry Kuny" إلى الرقمنة على أنها عملية تحويل مصادر المعلومات على اختلاف أشكالها من (الكتب، والدوريات، والتسجيلات الصوتية، والصور، والصور المتحركة....) إلى شكل مقروء بواسطة تقنيات الحاسبات الآلية عبر النظام الثنائي (البيتات Bits)(*)، والذي يعتبر وحدة المعلومات الأساسية لنظام معلومات يستند إلى الحاسبات الآلية، وتحويل المعلومات إلى مجموعة من الأرقام الثنائية، يمكن أن يطلق عليها "الرقمنة"، ويتم القيام بهذه العملية بفضل الاستناد إلى مجموعة من التقنيات والأجهزة المتخصصة.
وتشير "شارلوت بيرسي" "Charlette Buresi" إلى الرقمنة على أنها منهج يسمح بتحويل البيانات والمعلومات من النظام التناظري إلى النظام الرقمي.
ويقدم "دوج هودجز" "Doug Hodges" مفهومًا أخرًا تم تبنيه المكتبة الوطنية الكندية، ويعتبر فيه الرقمنة عملية أو إجراء لتحويل المحتوى الفكري المتاح على وسيط تخزين فيزيائي تقليدي، مثل (مقالات الدوريات، والكتب، والمخطوطات، والخرائط....) إلى شكل رقمي.
ويمكن استخلاص أن المفاهيم السابقة تتشارك في أن عملية الرقمنة لا تعني فقط الحصول على مجموعات من النصوص الإلكترونية وإدارتها، ولكن تتعلق في الأساس بتحويل مصدر المعلومات المتاح في شكل ورقي أو على وسيط تخزين تقليدي إلى شكل إلكتروني، وبالتالي يصبح النص التقليدي نصًا مرقمنًا يمكن الاطلاع عليه من خلال تقنيات الحاسبات الآلية.
وبعد هذا العرض لأهم مفاهيم الرقمنة، من الضروري التطرق إلى الأهمية المتعلقة بهذه العملية، والتعرف إلى مجموعة الأهداف المنشود تحقيقها من ورائها.

2. لماذا الرقمنة؟

السؤال الذي يفرض نفسه في هذا السياق: (لماذا تتجه مؤسسات المعلومات إلى رقمنة مجموعاتها من مصادر المعلومات؟). وتستند الإجابة عن مثل هذا الاستفسار، على ضرورة التعرف إلى أهمية عملية الرقمنة ثم الإحاطة بمجموعة الأهداف التي يمكن تحقيقها من ورائها.
وتعتبر الرقمنة مبادرة أصبحت لها قيمة متزايدة لمؤسسات المعلومات على اختلاف أنواعها، كما أنها تتمتع بأهمية كبيرة بين أوساط المكتبيين واختصاصيي المعلومات، حيث يستلزم تشييد مكتبة رقمية أن تكون محتوياتها من مصادر المعلومات متاحة في شكل إلكتروني، وهناك الكثير من المبادرات التي تدور حول مفهوم "الطريق السريع للمعلومات" والتي أعطت الدافع نحو تحويل الكثير من مصادر المعلومات من الشكل التقليدي إلى مجموعات متاحة على وسائط رقمية حديثة.
كما تتميز المجموعات الرقمية بسهولة الوصول إليها من جانب المستفيدين، وإمكانية مشاركتها بين عدة مستفيدين في الوقت نفسه، وبالتالي يمكن أن تستوعب الزيادة المتنامية في أعداد المستفيدين، وذلك بالمقارنة مع المجموعات التقليدية، ويتم ذلك من خلال نشر وإتاحة مجموعات النصوص على الخط المباشر عبر الشبكة العالمية أو الشبكة الداخلية للمكتبة أو مؤسسة المعلومات "Intranet".
وللتعرف إلى أهمية عملية الرقمنة، من المناسب الإشارة إلى أن رقمنة مصدر معلومات متاح على وسيط تخزين تقليدي، تزيد من إمكانية الاستفادة منه، من خلال تيسير عمليات الوصول والاطلاع عليه، حيث أصبح في الإمكان إجراء البحث أو الاستعلام داخل النصوص الكاملة لمصادر المعلومات، والاستعانة بمجموعات من الروابط الفائقة "Hypertext" والتي تحيل القارئ مباشرة إلى النصوص التي يبغي الاطلاع عليها، إلى جانب إحالته إلى المصادر الخارجية المرتبطة بموضوع بحثه.
وجدير بالذكر أن الرقمنة لا تستهدف فقط استبدال مقتنيات وخدمات المكتبات التقليدية بمجموعات وخدمات إلكترونية، فالهدف الرئيسي لها يكمن في تطوير وتحسين الاستفادة من مقتنيات المكتبات جنباً إلى جنب مع تطوير الخدمات المقدمة.
ويحدد "بيير إيف دوشومان" "Pierre Yves Duchemin" مجموعة الأهداف الأساسية المنشود تحقيقها من وراء الرقمنة، والتي يمكن تلخيصها في أنها تتيح الفرصة أمام:
·   حماية المجموعات الأصلية والنادرة: حيث تمثل الرقمنة وسيلة فاعلة لحفظ مصادر المعلومات النادرة والقيمة، أو تلك التي تكون حالتها المادية هشة وبالتالي لا يُسمح للمستفيدين بالاطلاع عليها، كما تعمل على تقليص أو إلغاء الاطلاع على المصادر الأصلية، وذلك لإتاحة نسخة بديلة في شكل إلكتروني في متناول المستفيدين.
·   التشارك في المصادر والمجموعات: تمثل إمكانية استخدام المصدر الرقمي من جانب عدة مستفيدين في الوقت نفسه، اتجاهًا ينبغي أن يؤخذ في الاعتبار من أجل القضاء على مشكلة النسخ المحدودة من المجموعات التقليدية، والتي تحدد عدد المستفيدين الراغبين في الاطلاع على مصدر المعلومات في ضوء عدد النسخ المتاحة منه.
·   الاطلاع على النصوص: بالرغم من أن الاتصال الفيزيائي للمستفيد مع مصدر المعلومات التقليدي قد ينقطع مع عملية الرقمنة، إلا أن هذه العملية يمكن أن تتيح -في بعض الأحوال- قراءة أفضل من تلك التي يتيحها النص الأصلي، كما توفر بعض الإمكانيات والخدمات التي من شأنها تسهيل قراءة النص مثل إجراء تكبير النص وتصغيره "الزوم"، والانتقال السريع إلى أي جزئية من جزيئات النص من خلال منظومة الروابط الفائقة، إلى جانب إمكانية محاكاة وسيط الاطلاع الرقمي "الكتاب الرقمي" للكتاب التقليدي الورقي.
·   زيادة قيمة النصوص: يمكن أن تمثل الرقمنة فرصة الاستفادة القصوى من مصادر المعلومات القيمة أو النادرة، والتي يمكن أن تكون في بعض الأحوال غير منشورة على نطاق واسع. ويمكن أن يتحقق ذلك من خلال إعادة إتاحة هذه المصادر سواء في شكل أقراص مليزرة "CD-ROM" أو أقراص مدمجة تفاعلية "Compact Disc Interactif" (CD-I)، أو إتاحتها من خلال الشبكة الداخلية للمكتبة "Intranet" أو الشبكة العالمية "Internet". وذلك في حال ما إذا كان الجمهور المستهدف يمثل قطاعًا عريضًا. ويعتمد أسلوب الإتاحة على السياسة العامة التي تتبعها مؤسسة المعلومات في هذا الشأن.
·   إتاحة المصادر عبر منظومة شبكات المعلومات: يمثل إتاحة وتبادل مصادر المعلومات عن بُعد إحدى السمات الأساسية التي تتميز بها المجموعات الرقمية، فقد يكون في وسع المكتبة إمداد أي مكتبة أخرى بنسخة إلكترونية من مصدر المعلومات عبر منظومة الشبكات، ويجب أن تتم هذه العملية بشكل متبادل بين المكتبات حتى يتمكن المستفيد من الاطلاع والمقارنة في موقع واحد على كل مصادر المعلومات المتاحة في عدة مكتبات أو مؤسسات المعلومات.
وفي الفقرات التالية يتم استعراض أساليب تبني استراتيجيات وسياسات الرقمنة في المكتبات ومؤسسات المعلومات، مع التعرض إلى المعوقات والإشكاليات الخاصة بها ومحاولة استشراف الحلول المقترحة.
3. استراتيجيات الرقمنة في المكتبات ومؤسسات المعلومات :

3/1. الرقمنة الداخلية أم الخارجية: الإشكاليات والحلول المقترحة :

لتحديد استراتيجية عامة للرقمنة، ينبغي على المكتبة أو مؤسسة المعلومات الراغبة في رقمنة مصادر معلوماتها أن تتخذ القرار ما إذا كانت عملية الرقمنة ستتم لديها داخل أماكن معدة مسبقاً ومجهزة للقيام بهذه المهمة، أو في الخارج بحيث تعهد إلى شركة متخصصة في رقمنة مصادر المعلومات للقيام بهذه المهمة خارج المكتبة.
ويرى كل من "O. Toche", "M. Huet", "C. Dessaux", "A. C. Rocher" أنه إذا لم تتوافر بالمكتبة الكفاءات البشرية المتخصصة في تقنية المعلومات وتطبيقاتها، أو تفتقر إلى الإمكانيات والخبرات اللازمة لمعالجة المجموعات المرغوب رقمنتها، ففي مثل هذه الحالات من المفضل اللجوء إلى جهة خارجية متخصصة في رقمنة مصادر المعلومات.
وتعتمد إشكالية الاختيار بين الرقمنة في داخل المكتبة أو خارجها على الاستراتيجية أو السياسة العامة التي يتم تبنيها، وكذلك على حجم الميزانية والمخصصات المالية للقيام بهذه العملية.
ويمكن الاختيار بين الرقمنة الداخلية أو الخارجية وفقاً لظروف ومقتضيات كل مكتبة أو مؤسسة معلومات على حدة، ويعتمد هذا الاختيار على مجموعة من العوامل والمقومات، منها:

1. حجم المخصصات المالية

وهي محددة من خلال أسعار التجهيزات المادية (مثل محطات العمل، والماسحات الضوئية على اختلاف أنواعها وفئاتها، وأجهزة الخادمات "Servers" المخصصة للحفظ والاختزان، وناسخ الأقراص المليزرة "CD/ROM"، أو ناسخ أسطوانات "DVD"، إلى غير ذلك)، إلى جانب البرمجيات المختلفة، ومنها برمجيات التعرف الضوئي على الحروفOCR "Optical Character Recognition"، وتطبيقات إنتاج المواد ذات الوسائط المتعددة (صوت، صورة، صور متحركة..)، ويعتمد اختيار مثل هذه التجهيزات على طبيعة المصادر التي يتم معالجتها.
وتجدر الإشارة إلى أن المبالغ المقدرة لهذه التجهيزات عادة ما تكون ضخمة نسبيًا، ولذلك عادة ما تلجأ المكتبات ومؤسسات المعلومات إلى الحصول على منح ومساعدات من أجل القيام بمشروعات الرقمنة.
2. توافر الهيئة العاملة المدربة:
يجب التعرف إلى قدرات وكفاءات الهيئة العاملة التي تأخذ على عاتقها مسئولية رقمنة مصادر المعلومات، والتأكد من قدرتها على السيطرة على مختلف التقنيات والأجهزة المتطورة، كما يجب قياس حجم فريق العمل من أجل ضمان استمرار الأعمال دون توقف، وذلك من خلال تحديد العدد الفعلي للعاملين على محطات العمل (الأجهزة)، مع الأخذ في الاعتبار فترات العطلات والإجازات الرسمية والغياب الطارئ والمحتمل عن العمل.
3. حجم العملية :
وهي تتحدد في ضوء حجم مجموعات مصادر المعلومات الخاضعة لعملية الرقمنة، والفترة الزمنية المخصصة للانتهاء من الأعمال، وبالتالي من الواجب تحديد حجم العمل اليومي المراد القيام به، وذلك في ضوء العدد الكلي لمصادر المعلومات، ومع ضرورة الأخذ بعين الاعتبار طبيعة النصوص التي يتم معالجتها.
4. مقيدات التقنيات المرتبطة بطبيعة مصدر المعلومات :
إذا كانت عملية الرقمنة تستخدم تقنيات خاصة وفقاً لطبيعة مصدر المعلومات (مثل رقمنة المصغرات الفيلمية أو مصادر المعلومات النادرة، كالمخطوطات، وأوائل المطبوعات وتلك المحتوية على ألوان ذات جودة عالية) فمن الصعب الحصول داخل المكتبة على التقنيات والكفاءات المطلوبة للقيام بهذه المهمة، بالإضافة إلى عدم سهولة الوصول إلى المؤسسات التي تتضمن الكفاءات النادرة التي تتوافر لديها خبرات التعامل مع مثل هذه المجموعات، ولذلك يحتاج الأمر إلى دراسة دقيقة حتى يمكن القيام به.
5. نقل مجموعات النصوص :
من الصعب نقل بعض مصادر المعلومات من مكان إلى آخر، فقد تكون ذات قيمة عالية أو نادرة أو في حالة مادية متهالكة، وفي هذه الحالة من المفضل اختيار الرقمنة داخل المكتبة في أحد الأقسام التي يتم إعدادها خصيصاً لهذا الغرض. كما أنه توجد بعض شركات الرقمنة التي يمكن أن تنتقل لإنجاز العمل داخل المكتبة، عبر إنشاء وحدة رقمنة بها، ويمثل ذلك حلاً بديلاً يمكن أن يؤخذ في الاعتبار.
6. التقنيات والتجهيزات المادية المستخدمة:
من المناسب الوقوف عند الإمكانات المادية المستخدمة من جانب مختلف الجهات العاملة في مجال الرقمنة، فعلى سبيل المثال في حالة رقمنة مصادر المعلومات المجلدة من الضروري التعرف إلى أنواع وفئات الماسحات الضوئية المستخدمة، فهل هي ماسحات مكتبية أو متخصصة في معالجة الكتب ومصادر المعلومات المجلدة، وكذلك ينبغي معرفة أن درجات جودة ووضوح النص المرقمن ليست واحدة، فهي تختلف تبعاً للأجهزة والتقنيات المستخدمة.
7. خبرات المؤسسة (التجارب السابقة):
ويقصد بها ضرورة الاتصال بالمكتبات ومؤسسات المعلومات التي استعانت من قبل بالجهة الخارجية التي لجأت إليها المكتبة لرقمنة مصادرها، حيث إن من الواجب التحقق من الخبرات والتجارب السابقة لهذه الجهة، من خلال الاتصال المباشر بالمكتبات التي تعاملت معها، وذلك بهدف التعرف إلى طبيعة المجموعات التي قاموا برقمنتها، ومدى الرضا عن العمل الذي تم إنجازه، ومجموعات الأهداف التي رغبت هذه المكتبات في تحقيقها مع مقارنتها بالأهداف الخاصة بالمشروع الذي ترغب المكتبة في القيام به، ويمكن كذلك التعرض إلى المسائل الخاصة بالفترة الزمنية التي تم فيها إنجاز العمل، وعناصر وإجراءات الأمان التي تم تطبيقها عند نقل مصادر المعلومات إلى أماكن رقمنتها داخل المؤسسة الخارجية، ومدى احترام التعامل مع المصادر الأصلية، ومعايير تأمين الأماكن المخصصة لتنفيذ العمل، ومستوى التجهيزات داخل المؤسسة، ومدى جودة عرض الوسائط الرقمية التي تمثل نتاج عملية الرقمنة؛ إلى غير ذلك من الاستفسارات الواجب التعرف إليها قبل التعاقد مع الجهة الخارجية التي وقع الاختيار عليها للقيام بمشروع الرقمنة.
8. المسافة:
هناك من يأخذ في الاعتبار عامل المسافة الفاصلة بين أماكن ورش عمل الجهة الخارجية القائمة على الرقمنة وبين أماكن تواجد مصادر المعلومات داخل المكتبة. وفي الحقيقة، يرى بعضهم أنه لا يمكن اعتبار المسافة عاملاً أساسيًا في حال ما إذا كانت الرقمنة تتم في أماكن خارجية، إذ فور خروج المجموعات من المكتبة يجب خضوعها إلى مجموعة من الشروط والضوابط لضمان نقلها دون أية خسائر بصرف النظر عن المسافة التي يتم قطعها للوصول إلى الأماكن المخصصة للعمل.
ومع ذلك نرى أن من المناسب الاستعانة بمؤسسة تتوافر فيها معايير الاختيار كافة وتقع بالقرب من المكتبة، حتى يتسنى للشخص المسئول عن متابعة سير العمل الانتقال بشكل سريع إلى أماكن العمل للتعرف إليها وعلى الأجهزة والإمكانيات المادية المتاحة، وعوامل الأمان التي يتم تطبيقها.
9. التكاليف :
يعتبر عامل السعر المعطى أثناء عملية المناقصة لمشروع الرقمنة - بدون أدنى شك - من العوامل الأساسية لاختيار المؤسسة الخارجية التي سيعهد إليها القيام بالعمل، ولكن يجب تحليل ودراسة هذا العامل في ضوء مستوى خبرات المؤسسات التي تعرض تنفيذ المشروع.
10. التحكم في مستوى جودة مصادر المعلومات المرقمنة خارج المكتبة:
مع بداية استلام الوسائط المختزن عليها مصادر المعلومات المرقمنة، يجب على المكتبة إجراء التحكم بمستوى الجودة، والتحقق من أن جميع مصادر المعلومات قد تمت رقمنتها ومسحها ضوئياً، والتأكد من أن المعايير كافة مطابقة تماماً لما تم طلبه من جانب المكتبة، وبناء عليه من الضروري توفير الوقت اللازم لإجراء مثل هذا التحكم، حيث يمكن أن يكشف عن وجود أخطاء ينبغي على الجهة القائمة بالعمل تصحيحها وتلافيها وذلك قبل إعطائها كل المستحقات المتبقية على المكتبة. 

إشكاليات استراتيجيات الرقمنة:
على الرغم من أهمية عملية الرقمنة والمميزات التي تمنحها، عادة ما تصطدم بكثير من التحديات سواء كانت تحديات مالية خاصة بالميزانية والاعتمادات المخصصة، أو بالمسائل الفنية المتعلقة بتبني أفضل المقاييس وأشكال ملفات مصادر المعلومات الناتجة عن الرقمنة، أو القضايا المرتبطة بالبنية التقنية لمشروع الرقمنة، والاتفاقيات الخاصة بتخطي الإشكاليات المرتبطة بحقوق المؤلفين والناشرين.
وتعتبر هذه التحديات جوهرية ولها تأثيرها المباشر في إعداد سياسة رقمنة مصادر المعلومات، وتبني معايير اختيار مصادر المعلومات التي يتم رقمنتها وأساليب حفظها واختزانها. وبناء عليه نستعرض في الفقرات التالية أبرز هذه الإشكاليات.
3/2/1. إشكاليات حقوق الملكية الفكرية:
ترتبط هذه الإشكالية بالمسائل المتعلقة بحماية حقوق الناشرين والحقوق الفكرية للمؤلفين، وحتى يمكن أن تتفادى المكتبات الدخول في منازعات قضائية لجأت في البداية إلى قصر عمليات الرقمنة على مصادر المعلومات التي لا تخضع لحقوق المؤلفين والناشرين وهي عامة تمثل مجموعات المصادر المتعلقة بالتراث الثقافي والقومي.
ونتناول على سبيل المثال نموذج المكتبة الوطنية الكندية والتي هدفت منذ البداية إلى إتاحة مجموعاتها الرقمية عبر بواباتها على الشبكة العنكبوتية العالمية "الويب"، ولذلك كان من الضروري التفكير في الحقوق المتعلقة بإتاحة وعرض مصادر المعلومات للجمهور العام، وعدد المستفيدين الذين يمكنهم الاطلاع على مصادر المعلومات، وتحديد مستوى جودة النصوص المرغوب في استعراضها من خلال منظومة الشبكات. وفيما يرتبط بالمكتبة الوطنية الفرنسية، من الضروري الإشارة إلى أن مجموعة التشريعات والسياسات التي تبنتها هذه المكتبة فيما يتعلق بحقوق الناشرين كانت أقل مرونة من تلك المطبقة في المكتبة الوطنية الكندية.
3/2/2. إشكاليات مادية:
تؤدي الإمكانات المادية دوراً بارزاً في تبني استراتيجية عامة للرقمنة، حيث تفرض بعض الشروط والمقيدات الواجب أخذها في الاعتبار، خاصة فيما يرتبط بالإمكانات المادية والتجهيزات التقنية والفنية والبرمجيات المراد الحصول عليها.
وفيما يتعلق بتجربة المكتبة الوطنية الفرنسية، يشار إلى أن برنامج رقمنة مصادر معلوماتها تم تحت إشراف "الهيئة العامة للمكتبة الفرنسية""Etablissement Public de la Bibliothèque de France" "EPBF"، وهي الهيئة المسئولة عن إدارة وتطوير المكتبة الوطنية الفرنسية، والتي توافر لديها في عام 1994م اعتماد مالي بلغ 70 مليون فرنك فرنسي، إلى جانب التمويل الذي وفرته الحكومة الفرنسية من خلال مجموعة من القروض.
وفيما يتعلق بالمكتبة الوطنية الكندية، فعند القيام بمشروع رقمنة مصادر معلوماتها، كانت تتمتع بقدر كبير من المرونة في اتخاذ القرارات، ولكن في المقابل تعتبر المخصصات المالية محدودة مقارنة بنظيرتها الفرنسية، حيث بلغت ما يقرب من 7 مليون فرنك، إلى جانب فترة زمنية تعتبر قصيرة للقيام بالعمل، الأمر الذي أجبر الهيئة العاملة في المشروع على خفض الوقت المخصص لتبني سياسة اختيار مصادر المعلومات التي ستخضع لعملية الرقمنة.
ويمكن التحقق بعد هذا العرض المبسط من أن العامل المادي يعتبر من العوامل الجوهرية الواجب أخذها في الاعتبار والنظر إليه بعين فاحصة أثناء إعداد استراتيجية وسياسة لعملية الرقمنة.
3/2/3. إشكاليات تقنية وفنية:
ترتبط التحديات التقنية - في المقام الأول - بالتجهيزات المادية والبرمجيات وجميع المكونات التي لا غنى عنها من أجل تنظيم مصادر المعلومات الإلكترونية وحفظها واسترجاعها. وتتمثل الإشكالية الرئيسة في قضية التقادم السريع لتقنيات المعلومات، حيث إنها تتطور بشكل سريع ودون توقف، الأمر الذي تكتنفه صعوبة الاطلاع على المعلومات المسجلة على وسائط تخزين متقادمة. فعلى سبيل المثال، لا تحتوي غالبية الحاسبات الآلية من الجيل الحديث على مشغل للأقراص المرنة، نظراً لضعف الطاقة التخزينية للأقراص المرنة وتعرضها للتلف السريع، وبالرغم من ذلك فإن التقنيات الحديثة لن تتوافر لها القدرة على عرض مصادر المعلومات المختزنة داخل مثل هذه الوسائط.
وبالنسبة للمكتبة الوطنية الفرنسية، وفي المرحلة التي انطلقت فيها الخطوات الأولى للمسح الضوئي للحروف، ونتيجة التقنيات غير المتطورة المستخدمة في بدايات المشروع، فقد نتج عن ذلك نسبة أخطاء مرتفعة عند المسح الضوئي، خاصة فيما يتعلق بالتعرف الضوئي على الحروف القديمة، الأمر الذي دفع المكتبة إلى تحمل تكلفة إضافية لمراجعة وإصلاح هذه الأخطاء يدويًا، بالإضافة إلى تبني رقمنة النصوص في شكل صور، والذي يبدو شكلاً اقتصاديًا وأسرع في الأداء في تلك المرحلة من مشروع الرقمنة.
ويؤكد "تيري كاني" "Terry Kuny" بأنه قد تم تخطي كثير من التحديات والمعوقات التقنية المتعلقة برقمنة مصادر المعلومات المتاحة على وسائط تخزين ورقية، ولكن في المقابل ما زالت هناك بعض الإشكاليات التي تقف أمام رقمنة مصادر المعلومات المتوفرة من خلال وسائط تخزين أخرى، منها المصغرات الفيلمية "Microforms" على سبيل المثال.
وتجدر الإشارة إلى أن التقنيات المتخصصة في رقمنة مجموعات المكتبات ومؤسسات المعلومات ما زالت حديثة الإنشاء نسبياً، كما تمثل الكثير من التجهيزات المادية والتطبيقات منتجات من الجيل الأول، وبالتالي فهي ليست متطورة بالشكل الكافي. وفي جميع الأحيان، ما زال الاسترجاع الفعال للمعلومات الناتجة عن عملية الرقمنة يمثل تحديًا كبيرًا، حيث يعتمد على مدى الكفاءة في الوصول إلى مصادر معلومات محددة ومكشفة على مستوى عالٍ، ولكن هذا الأمر ينطوي على الكثير من المعوقات، من بينها:
·       المصطلحات المستخدمة في التكشيف قد تكون غير ملائمة
·       صعوبات متعلقة بتحديث الكشافات .
·       التكشيف بأسلوب غير مناسب أو غير دقيق .
·   معوقات مرتبطة بإعادة تكشيف مجموعات كبيرة من مصادر المعلومات والتي يمكن أن يطرأ عليها تغييرات مع مرور الوقت.
ويمكن أن تتطلب الكشافات المستخدمة في تسهيل عمليات الوصول إلى مصادر المعلومات تكلفة إضافية لنظام المعلومات المستخدم.
وفيما يتعلق بمسألة الوصول إلى مصادر المعلومات الرقمية من منظور التقنيات المستخدمة، نجد أن اختيار تقنيات الرقمنة وأسلوب عرض المعلومات يعتمد في الأساس على الجمهور المستهدف، إلى جانب الطريقة أو المنهج المتبع في استخدام المصادر المرقمنة؛ فعلى سبيل المثال، عن طريق تحديد الاستخدام المستهدف يمكن تحديد مستوى جودة النصوص أثناء عملية الرقمنة، كما أن من الضروري الاستعانة بالتقنيات والأجهزة المناسبة في حالة الرغبة في الوصول السريع والفعال إلى مجموعات النصوص كما هو الحال في الأرشيفات الإلكترونية وقواعد البيانات المهيكلة. ومن ناحية أخرى يمثل موقع المستفيد نفسه عاملاً أساسيًا في اختيار التقنيات التي يتم الاستعانة بها، حيث إن مستخدمي الشبكة العالمية "Internet" الذين ليس لديهم اتصال فائق السرعة لن يتمكنوا بسهولة من الاطلاع وعرض مجموعات الصور المرقمنة بجودة عالية، ولكن في المقابل يمكنهم الاطلاع على المجموعات النصية والانتقال بينها من خلال منظومة الروابط الفائقة.
وبعد إبراز أهم المعوقات والتحديات المتعلقة بعملية الرقمنة، يمكن التحقق بأن هذه الإشكاليات تمثل تحديًا حقيقيًا يجب تخطيه أثناء مرحلة الإعداد والتجهيز لسياسة الرقمنة، وخاصة قبل تطبيق مشروع الرقمنة، وبالتالي من المناسب في الفقرات التالية التعرض للسياسات والاستراتيجيات الخاصة بعملية الرقمنة التي تم تبنيها من جانب كبريات المكتبات الوطنية.

20 commentaires:

  1. ممكن معلومات حول الرقمنة في الدول العربية والعالمية

    RépondreSupprimer
  2. ممكن مراجع حول الرقمنة

    RépondreSupprimer
  3. ممكن مراجع حول الرقمنة

    RépondreSupprimer
  4. ممكن مراجع حول الرقمنة

    RépondreSupprimer
    Réponses
    1. شكرا على المعلومات القيمة لو سمحتم أريد مراجع حول الرقمنة و جودة الخدمات

      Supprimer
  5. ممكن شرح رقمنه الملفات عملي

    RépondreSupprimer
  6. شكرا على المعلومات القيمة لكن عندي سؤال الى متى ستبقى مكتباتنتا بعيدة عن رقمنة رصيدها الوثائقي على الاقل رقمنة الجزءل

    RépondreSupprimer
  7. ممكن مراحع حول الرقمنة

    RépondreSupprimer
    Réponses
    1. وانا ايضا اريد مراجع حول رقمنة

      Supprimer
  8. السلام عليكم ورحمة الله ممكن مراجع حول الرقمنة

    RépondreSupprimer
  9. Ce commentaire a été supprimé par l'auteur.

    RépondreSupprimer